کد مطلب:168202 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:64

الحر بن یزید الریاحی... و الموقف الخالد
قال الشیخ المفید(ره): (فلمّا رأی الحرّ بن یزید أنّ القوم قد صمّموا علی قتال الحسین (ع) قال لعمر بن سعد: أَیْ عُمر! أمقاتلٌ أنت هذا الرجل!؟

قال: إی واللّه، قتالاً أیسره أن تسقط الرؤوس وتطیح الایدی!!

قال: أفما لكم فیما عرضه علیكم رضی!؟


قال عمر: أما لو كان الامرُ إلیَّ لفعلت! ولكنّ أمیرك قد أبی.

فأقبل الحرُّ حتی وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه یُقال له قُرّة بن قیس، فقال: یا قُرّة هل سقیت فرسك الیوم؟

قال: لا!

قال: فما ترید أن تسقیه؟

قال قُرّة فظننتُ واللّه أنّه یُرید أن یتنحّی فلایشهد القتال، ویكره أن أراه حین یصنع ذلك، فقلت له: لمْ أسقِه،وأنا منطلق فأسقیه.

فاعتزل ذلك المكان الذی كان فیه، فواللّه لو أنّه أطلعنی علی الذی یُرید لخرجت معه إلی الحسین بن علیّ(ع). [1]

فأخذ یدنو من الحسین قلیلاً قلیلاً، فقال له المهاجر بن أوس: ما ترید یا ابن یزید، أترید أن تحمل؟

فلم یجبه وأخذه مثل الافكل وهی الرعدة فقال له المهاجر: إنّ أمرك لمریب!! واللّه ما رأیت منك فی موقف قطُّ مثلَ هذا، ولو قیل لی: من أشجع أهل الكوفة؟ ما عدوتك! فما هذا الذی أری منك!؟


فقال له الحر: إنّی واللّه أُخیِّر نفسی بین الجنّة والنار! فواللّه لا أختار علی الجنّة شیئاً ولو قُطِّعتُ وحُرّقت!

ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسین (ع) فقال له: جُعلت فداك یا ابن رسول اللّه! أنا صاحبك الذی حبستك عن الرجوع، وسایرتك فی الطریق، وجعجعتُ بك فی هذا المكان، وما ظننتُ أنّ القوم یردّون علیك ما عرضته علیهم! ولایبلغون منك هذه المنزلة! واللّه لو علمتُ أنّهم ینتهون بك إلی ما أری ماركبت منك الذی ركبت، وإنّی تائب إلی اللّه مما صنعتُ! فتری لی من ذلك توبة؟ [2] .

فقال له الحسین (ع): نعم، یتوب اللّه علیك،فانزل. [3] .

قال: أنا لك فارساً خیر منّی راجلاً، أُقاتلهم علی فرسی ساعة، وإلی النزول ما یصیر آخر أمری.

فقال له الحسین (ع): فاصنع یرحمك اللّه ما بدالك.

فاستقدم أمام الحسین (ع) [4] .ثم قال:


یا أهل الكوفة، لاُمِّكم الهَبَلُ والعَبَرُ! أدعوتم هذا العبد الصالح حتّی إذا أتاكم أسلمتموه!؟ وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه ثمّ عدوتم علیه لتقتلوه!؟ أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه فی بلاد اللّه العریضة! [5] فصار كالاسیر فی أیدیكم لایملك لنفسه نفعاً ولایدفع عنها ضرّاً! وحلاتموه ونساءَه وصبیته وأهله عن ماء الفرات الجاری یشربه الیهود والنصاری والمجوس! وتمرغ فیه خنازیر السواد وكلابه! وهاهم قد صرعهم العطش! بئس ما خلفتم محمّداً فی ذرّیته، لاسقاكم اللّه یوم الظماء الاكبر. [6]

فحمل علیه رجال یرمونه بالنبل!فأقبل حتّی وقف أمام الحسین (ع)). [7] .


[1] كان الحرّ (رض) بعلم أنّ قرّة بن قيس لعنه الله ليس ممّن يتأسي بالأحرار لنصرة الحق وأهله، بل هو من المشلولين نفسيّاً الذين يكذبون حتّي علي أنفسهم، والاّقوي أنّ الحرّ (رض) خشي من قرَّة - لو أطلعه علي نيّته و عزمه - أن يفشي أمره و يمنعه من تحقيق غايته، و لذا كتم عليه نيّته و عزمه، و الدليل علي كذب قرّة بن قيس نفس بقائه في جيش ابن سعد حتّي بعد التحاق الحرّ (رض) بالإمام عليه السلام، بل لقد أصرّ قرّة هذا علي مناصرة و حماية أهل الضلال حتّي بعد تزعزع كيانهم، فقد بعثه مسعود بن عمرو الأزدي علي رأس مائة من الأزد لحماية ابن زياد حتّي القدوم به إلي الشام بعد أن طرده أهل البصرة منها (راجع: الإمام الحسين عليه السلام في مكة المكرّمة:34).

[2] في تاريخ الطبري: 320:3 «... والله الذي لاإله إلاّ هو ما ظننت أنَّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولايبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي لاأبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم ولايرون أنّي خرجت من طاعتهم، و أمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، و والله لو ظننت أنهم لايقبلونها منك ماركبتها منك، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلي ربّي، و مواسياً لك بنفسي حتي أموت بين يديك، أفتري ذلك لي توبة؟».

[3] في تاريخ الطبري: 320:3 «... نعم يتوب الله عليك و يغفر لك، ما أسمك؟ قال: أنا الحرّ بن يزيد. قال أنت الحرّ كما سمّتك أمّك! أنت الحرّ في الدنيا و الآخرة! إنزل...».

[4] في المصدر (الإرشاد: 100:2): «فاستقدم أمام الحسين عليه السلام،ثمّ أنشأ رجل من أصحاب الحسين عليه السلام يقول:



لنعم الحرُّ حرُّ بني رياحِ

وحُرُّ عند مختلف الرماحِ



ونِعم الحرُّ إذْ نادي حسينٌ

و جاد بنفسه عند الصباحِ»



و لكنّ الطبري لم يورد هذه الأبيات داخل سياق إلتحاق الحرّ (رض) بالإمام عليه السلام، كما أنّ المشهور أنّ هذه الأبيات قيلت بعد مصرعه (رض).

[5] في تاريخ الطبري: 320:3 «... فمنعتموه التوجّه في بلاد الله العريضة حتّي يأمن و يأمن أهل بيته، و أصبح في ايديكم كالأسير...».

[6] و كذلك في تأريخ الطبري: «لاسقاكم الله يوم الظمأ إنّ لم تتوبوا و تنزعواعمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه. فحملت عليه رجّالة لهم ترمية بالنبل...».

[7] الارشاد: 2:99-101.